سحر البدايات: ماهيته و تأثيره على خططك و تطلعاتك
لكلِّ بدايةٍ سحرُها الخاص الذي منَ الممكنِ إدراكهُ في البداياتِ، أو يظهرُ أخيراً عندَ النهايةِ، ولكن لا يُمكنُ إنكارُ وجودِهِ يا صديقي.
دعني آخذُكَ في رحلةٍ قصيرةٍ، لنَكتشفَ سوياً هذا السحر..
عندَ الوهلةِ الأُولى مِن بِدايةِ أيِّ عملٍ تُقدِمُ عليهِ، ستجِدُ نفسكَ مُحملاً، بكمٍ هائلٍ منَ الأفكارِ والطُّموحاتِ والصورِ الجميلةِ لنهايةِ المطاف، ستدخلُ لِعالمٍ مليئٍ بالافتراضاتِ الحميدةِ لسلامةِ سيرِ رُؤيتِكَ، ويملئُ الرِّضا نفسكَ عنِ الصورةِ الأخيرةِ ولكن...
العقلُ البشريُّ معجزٌ بشكلٍ لا يُصدقُ، والخيالُ إِحدى المُعجزاتُ التي لا يُمكنُ العيشُ بدونِها، فالخيالُ هو أداةٌ محفزةٌ للإِبداعِ. يأخذُنا الخيالُ لآفاقٍ واسعةٍ فوقَ حدودِ المعقولِ أحياناً، ونستسلمُ ونُسلِّم لجمالِ ما نرى ونعيشهُ، وكأنَّما هوَ الواقعُ، نبْني ونتوسَّعُ، نُخطِّطُ ونُنفِّذُ، نُحبُّ ونهيمُ وكأنَّما حيزتْ لنا الدُّنيا.
لكنَّ التَّعويلَ على الخيالِ ليسَ حلاً عملياً، فالخيالُ يظلُّ قابعاً في العقلِ، حبيسُ النَّفسِ لا شيءَ ملموسٌ منهُ على أرضِ الواقعِ، ولكنْ هناكَ جانبٌ مضيءٌ.
تستطيعُ أنْ تستشِفَّ منَ الصورةِ المرسومةِ، تصوراً مبدئياً لِماهيةِ ما أنتَ مُقدمٌ عليهِ، وتضعَ علاماتٍ مميزةً لمُفترقِ الطرقِ، أو أهدافاً لابُدَّ من تنفيذِها، لتكتملِ الصورةَ، مع مراعاةِ الواقعيةِ والإمكانياتِ، لتحقيقِ ذلك بشكلٍ يُرضي النفسَ، ويتماشى مع الواقعِ الذي تعيشُهُ.
يقول فاروق جويدة:
إنَّ الخيالَ إحساسٌ رائعٌ وجميلٌ، لكنَّنا لا نستَطيعُ أنْ نعيشَ عليهِ.
جميلٌ يا صديقي، الآنَ خرجتَ من جمالِ رحلةِ الخيالِ، وقرَّرتَ أنْ تصنعَ شيئاً واقعياً، وتأتي هُنا مرحلةُ التخطيطِ والتنفيذِ. ولا يُمكن بِأي حالٍ منَ الأحوالِ، أنْ يخلو ذلكَ كلّهُ منَ التحدياتِ والصعوباتِ، لأنَّنا اتفقنا سابقاً على مراعاةِ الواقعية!
قبلَ أن تشرعَ في كتابةِ خُططِكَ، لماذا لا تبدأْ بالبحثِ والتقصِّي أولاً؟! فرُبَّما خاضَ نفسَ التجربةِ شخصاً آخرَ، وحكى عنها، وحينها لنْ تضطَّرَ أنْ تبدأَ منْ جديدٍ، ولكنْ تُكملُ منْ حيثُ انتهى الآخر، إذا ما وافقتْ تجربتهُ وظروفُها المحيطةُ تجربتكَ. أمَّا إذا وجدتَ تشابهاً بينَكما فلا بأسَ، خذْ من تجرُبتِه ما تُحسُّ بتماشيهِ معكَ ومعَ إمكانياتك، وذلكَ لنظلَّ في إطارِ الواقعيةِ ولا نحيد عنه.
عظيم! صنعتَ خطتكَ بشكلٍ جيدٍ ومُرضي، الآنَ يأتي وقتُ التنفيذِ، وستبدأُ وكلكَ نشاطٌ وعزمٌ أن تُتِمَّ خطتكَ بحذافيرها، وتبدأَ التحدياتِ، سواءً كانتْ من ظروفكَ المحيطةِ أو حتى نفسكَ. دعني أخبركَ من خلالِ خبرتي القصيرةِ في الحياة، أن لا شيءَ مهما تناهى في الصغرِ يخلو من الصعوبة، ولكنْ يُمكنكَ دائماً أن تتغلبَ على هذهِ الصعوباتِ بأنْ تستمرَّ وتُقاومَ وتجدَ حلولاً لكل ما يشكل عليك. لا تُسوفْ وكُن حازماً في التنفيذِ، وإن جارتْ عليكَ نفسُكَ فقاومها بكلِّ ما أوتيتَ من قوةٍ.
يقول إيهاب فكري:
فكَما يحتاجُ الإنسانُ للدِّقةِ في التخطيطِ ، و الإصرارِ في التنفيذ، فهو يحتاجُ كذلكَ للمرونةِ في التعديلِ، والسماحةِ في الإلغاءِ والتغييرِ.
مباركٌ يا عزيزي! بدأتَ تجني ثمارَ تعبكَ، ولكنْ لِيكُن في علمكَ أنَّ بدايةَ النَّجاحِ لا تعني بالضَّرورةِ النجاح كُله! إنَّما هو حافزٌ لكَ كي تتقدَّمَ أكثرَ وتُحققَ مُبتغاكَ. لا تركنْ وتعتمدَ أنَّ كلَّ شيءٍ سيسيرُ على الخُطةِ من تلقاءِ نفسهِ، فهذا خطأٌ فادحٌ نقعُ فيهِ أحياناً. اغتنمْ الانتصاراتَ الصغيرةَ، كي تكون دافعاً لكَ فقط، ولا تُعوِّل عليها.
هل ترى آثارَ سحرِ البداياتِ الآن؟
هذا السحرُ دفعكَ أن تُؤمنَ بفكرةٍ أو تجربةٍ خطرت لك، وقرَّرتَ أن تخوضها، مؤمناً بقدُراتكَ وإمكاناتك، مُراعياً واقعيةَ التنفيذ، ستجدُ نفسكَ قد خرجتَ بنتائجٍ تفوقُ توقُّعاتكَ أحياناً، وأيضاً خبرةً لا يُستهانُ بها، ويُمكنُ أن يُعَوَّلَ عليها إذا ما سُئِلتَ يوماً. وعلى الجانبِ النفسي، ستأنسُ برضاكَ عن نفسكَ وإيمانكَ المتجددِ بقدراتِكَ وأنَّكَ قادرٌ على تحقيقِ هدفٍ بدأَ بخيالٍ وتدرَّجَ، إلى أن أصبحَ واقعاً تعيشهُ، وهُنا تحقَّقَ سحرُ البداياتِ.